ليس مثل الصورة تختصر العمر ومرور الحياة، وتبدل الأشياء. الصورة وثيقة مفرحة مبكية، فكثير من صورنا في الصغر تضحك القلب الآن، وكثير من صور الشباب النضر تتعب القلب الآن، وأنا لا أخفي إعجابي الكبير بتلك الصور التي تقسم الزمن قسمين، والمكان اثنين، وتجبرني على التوقف والتأمل وقراءة التفاصيل في الصورتين؛ صورة الأمس، وصورة اليوم.
وقبل سنوات قام مصور لبناني فنان، وابتدع فكرة صورة الأبيض والأسود، صورة تخص الماضي، وصورة ملونة تخص الحاضر، فعمد إلى كل صور الأمكنة في بيروت والناس الذين صورهم قبل سنوات طوال، خاصة أثناء الحرب الأهلية، وأعاد تصوير الأمكنة والناس الآن، بنفس الوضعية، مثل الذي أعطى للمشهد القديم لوناً جديداً، لكن كل الذين في إطار الصورة الجديدة مختلفون أو تبدلوا بحكم العمر والتجديد والتغيير.
تتذكرون ذلك الصبي الذي يشع فرحاً وعافية، الأجرد، والضاحك الذي كانت صوره على علب الحليب المجفف كامل الدسم، ربما كان «ريري أو نستله»، وهو يرفع برجليه مرضعة الحليب، عثر عليه مصور وقد تجاوز الستين من العمر، وغدا رجلاً شائباً، وانحسر شعره عن مقدمة الرأس، وخط وجهه بلحية قصيرة، الشيء الوحيد الذي لم يتغير فيه تلك العافية من ذلك الحليب الذي كان يقدم له بالمجان وهو صغير، وضحكة الرجل السمين الطيب، حظ هذا الطفل لم يكن مثل حظ الطفل «إيتان باتز» الذي ظهر على إعلانات علب الحليب، واختفى في نيويورك وهو بعمر السادسة، ولم يظهر بعدها، وبرزت ظاهرة خطف أطفال الإعلانات والمشهورين في أميركا، حتى أن أصابع الاتهام لم ترحم الشركات نفسها لما يثيره اختفاء طفل كان على ماركتها التجارية في الرأي العام وفي وسائل الإعلام، وظلت القضية مفتوحة والمحاكمات متداولة حتى 2017، ولم تغلق بعد بشكل كامل.
ومن الصور التي وقعت في يدي صورة للطفل الصغير «علي» الذي مثل في فيلم «عمر المختار.. أسد من الصحراء» مع «أنطوني كوين و إيرين باباس» عام 1981، ومن إخراج «مصطفى العقاد»، ويظهر في نهاية الفيلم وهو يلتقط نظارة عمر المختار بعد شنقه، وكان «إيهاب الورفلي» في السادسة ربما، واليوم هو في منتصف الأربعين، الشيء الوحيد الذي لم يتغير فيه عيناه، وثمة فخر في داخله، لن ينسى، أنه كان حفيد «عمر المختار».
والصورة الأخيرة، من صور كثيرة لم أذكرها، تلك الصورة بين زمنين، وتجمع أبطال فيلم «الويسترن» الغربي الشهير «الطيب والشرير والقبيح»، والفيلم هو عمل إيطالي بحت، لا أميركي كما يظن الكثيرون، ويترجم أحياناً بـ«الطيب، الشرس والشرير» كما هو في الإيطالية «Il buono. il brutto. il cattivo»، وبالإنجليزية 
«THE GOOD THE BAD AND THE UGLY»، والذي انتج عام 1966، وهم «كلينت ايستوود 94 عاماً»، و«إيلاي والاك توفي عام 2014»، و«لي فان كليف الذي توفي عام 1989». لقد مات الشرير، والقبيح، وما زال الطيب حياً!